top of page

الصهيونية = عنصرية

إذا كان أحد ما يحتاج مرة أخرى لإثبات بان الصهيونية هي شكل واضح من أشكال العنصرية، فإن قانون التسوية الذي أجيز في 16/11/2016 بالقراءة العاجلة في مؤسسة الأبرتهايد المسماة كنيست إسرائيل، قدم دليلا دامغا على ذلك. فاسم هذا القانون هو لقب كاذب لما ينبغي أن يسمى "القانون لتسوية سطو الأراضي من السكان الذين أمهاتهم لسن يهوديات". فهذا القانون يسمح لليهود بان ينقلوا الى حيازتهم قانونيا زعما، أرضا عقارا خاصا يعود لغير اليهود ممن يعيشون في فلسطين المحتلة. وهكذا ألغي حق الملكية للفلسطينيين، مثلما الغيت من قبل باقي حقوقهم الديمقراطية – حق التعبير، حق التنظيم، حق الحياة الأسرية، حرية الحركة والحق في تقرير المصير الوطني في وطنهم. هذا القانون الذي ينتمي الى ما درج البروفيسور يشعياهو ليفوفيتش الراحل على تسميته إجراء يودو – نازي، أجيز بالطبع في تصويت ديمقراطي. تماما مثل القوانين المشابهة التي أجيزت في الرايخستاغ قبل أقل من ثمانين سنة، ومنذ نصف يوبيل ألغت الأمم المتحدة أحد قراراتها العادلة بشأن عنصرية الصهيونية.

تدعي الدعاية الإسرائيلية بأن "الأمم المتحدة دوما ضدنا". هذه كذبة دعائية هدفها المطالبة بالمزيد فالمزيد من الحقوق الزائدة لمستعمرة المستوطنين المسماة دولة إسرائيل، والتي تأسست كفرع لاوروبا البيضاء على الشاطيء الغربي من البحر المتوسط. الأمم المتحدة، التي هي المنظمة التي يفترض بها أن تحفظ السلام العالمي، هي عمليا مؤسسة تحاول أن توزع بين القوى العظمى المسيطرة غنيمة السطو الدولي الذي يؤخذ من باقي شعوب العالم، ومنع الحرب بينها. فقد أعفت الامم المتحدة عن إسرائيل لخرقها مشروع التقسيم وإعترفت بدولة إسرائيل بعد أن احتلت نصف الاراضي التي كانت مخصصة للدولة العربية، تجاهلت التطهير العرقي الواسع لمواليد البلاد والذي نفذته إسرائيل، تجاهلت حقيقة أنه يوجد في إسرائيل بشكل قانوني مواطنتان مختلفتان تشكلان أساسا للأبرتهايد، ولم تلغي عضويتها في المنظمة التي يحظر ميثاقها الأساس مثل هذا التشريع العنصري. ولمرة واحدة في تاريخ الأمم المتحدة فقط أتخذ قرار مناهض لاسرائيل بوضوح قضى بأن الصهيونية عنصرية. وقد جاء القرار الى الجمعية العمومية بمبادرة من "منظمة الوحدة الإفريقية"، والتي وصل معظم دولها إلى الاستقلال بخلاف إرادة القوى العظمى وبخلاف معارضة إسرائيل لتحررها على مدى نحو 20 سنة. لقد صوتت إسرائيل في الأمم المتحدة ضد تحرير الجزائر، تونس، طنجانايكا، رواندا – بروندي، غينيا والمستعمرات البرتغالية وغيرها. وفي بعض من حالات التصويت كان الصوت الإسرائيلي حاسما، وأدى إلى تأجيل إستقلال دول إفريقية من دول الشرق الأوسط. الإتحاد السوفياتي وأتباعه، الصين ودول آسيوية إنضمت الى المبادرة، وفي 10 تشرين الثاني 1975 إتخذت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة قرار 339 والذي قضى بأن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية، وأن إسرائيل تتعاون مع نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا ومع الحكم الإستعماري البرتغالي الذي يرتكب الفظائع في البلدان التي تحت سيطرته. لقد كان هذا قرارا معللا على نحو جيد، محق وصحيح. وكم غريب أنه لم يدفع الأمم المتحدة لان تعمل بأي شكل كان: لا بالعقوبات، لا بالدعاوى ولا بالمقاطعات مثلما توقع مبادرو القرار.

بمبادرة شمعون بيرس وضعت إسرائيل استراتيجية ذكية لإلغاء هذا الإعلان الدولي الهام: جلب يهود من أثيوبيا إلى البلاد. ففكرة جلب سود كحجة غيبة إلى الفيلا البيضاء في الغابة كانت لامعة واستهدفت الاثبات، ولا سيما لإفريقيا ودول العالم الثالث بأن إسرائيل ليست عنصرية، والدليل هو يهود أثيوبيا، الذين يشكلون شهادة حسن سلوك. وهكذا نشأت قصص "الانقاذ" البطولي ليهود أثيوبيا الذين لم يرغب أحد في البلاد فيهم حتى تلك اللحظة. وفي نهاية السبعينيات جُلب مئات الاثيوبيين من خلال الموساد والجيش الاسرائيلي، وفي بداية الثمانينيات بدأت حملة مغطاة إعلاميا في ظل التصريحات والاعلانات التي تستهدف آذان الزعماء الافارقة، بأن إسرائيل لا تميز بين السود والبيض (الذين ينتمون الى العرق اليهودي). وأعلن آشر نعيم، السفير الإسرائيلي السابق في أثيوبيا في عهد حملة شلومو بأن دولة إسرائيل هي "الدولة الوحيدة في العالم التي جلبت سودا الى داخلها ليس في السلاسل". وقد نجحت الخطوة الدعائية، حيث إقتنعت دول إفريقيا بتغيير تصويتها بتأثير الضغط الذي مارسته إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة. وفي 16 كانون الأول 1991 تراجعت الأمم المتحدة في قرار 4686. ومنذئذ تقلص الدافع الإسرائيلي جدا "لجلب السود"، ولكن بالمقابل تعلم الاثيوبيون الذين وصلوا إلى اسرائيل على جلدتهم ما قررت الأمم المتحدة نفيه: الصهيونية ونتاجها – دولة إسرائيل هما عنصريتان على نحو فائق.


تتغذى العنصرية الإسرائيلية من مصدرين. المصدر الأول هو كونها مستعمرة إستيطانية، ترى في الشعب الأصلي الذي إستوطنت في بلاده مادة إنسانية دون لا حاجة لها. ويمكن أن يقال اليوم بيقين إنه في كل حالات الإستعمار الاستيطاني مثلما في أمريكا، استراليا، كندا ونيوزيلندا كان إبادة السكان الاصليين جزءا لا يتجزأ من الإستيطان. وبتعبير آخر، فإن نية الجينوسايد – قتل الشعب تكمن في مجرد عملية الإستيطان الرامية الى إستبدال شعب بشعب آخر. حتى الآن كان الجينوسايد من الحركة الصهيونية، منضبطا وبطيئا. وكانت المسيرة البديلة هي التطهير العرقي الهائل والمتواصل منذ 70 سنة. وتقع إنفجازات جينوسايد خطيرة بين الحين والآخر في قطاع غزة، الذي يشكل لإسرائيل حقل تجارب للقتل تجرب فيه صناعة السلاح والأمن، ولكنها لم ترتدي بعد شكلا مخططا ومتواصلا.


أما المصدر الثاني للعنصرية الإسرائيلية فهو الفقد الحاخامي اليهودي (الهلاخا)، والذي إزدهر هنا بالذات لأنه يزدهر في الأرض الإقليمية التي سلبت من السكان الأصليين لفلسطين. فحاجة جمهور المستوطنين لايجاد مبررات مقنعة للسطو ولإقصاء السكان الاصليين تدفع المجتمع اليهودي بإستمرار نحو عالم الأساطير المواسي للدين اليهودي. والهوية الإسرائيلية التي بناها عمليا التيار الاستعماري – الاشتراكي يعبر عنها اليوم بنجاح أكبر حاخامو "البيت اليهودي". ومن يساهم بحماسة في بلورتها هم حاخامون من النوع اليودو-نازي الذين يعملون على تشبيه الفلسطينيين بالعملاق الاسطوري. فمثلا: منشور شعبي يسمى "ينابيع الخلاص" الذي ينشر في الكنس وتصدره جمعية تحمل ذات الأسم ورؤساؤها هم الحاخام شموئيل الياهو من صفد، الحاخام شلومو أفينر من بيت أيل والحاخام يعقوب اريئيل من رمات غان. ويطلق المنشور نارا وبارودا على الحاخامين الذين يختلفون مع زعماء الجمعية ولا سيما مع حاخامي "تساهر"، وهذا ما لدى رجال الدين ليقولوه عن معارضهم: "مشوق إذا كان تجميع العمالقة في معسكرات الإبادة سيترك للآخرين أم ربما يحسم بأن عيش العملاق لم يعد ذي صلة. الأيام وحدها ستقول". وبالطبع لم يتهم أي مستشار قانوني أو أي شخص آخر، بما في ذلك السيد نتنياهو واضعي هذه الوثيقة المثيرة للاشمئزاز اليودو-نازيين، تلك الوثيقة التي تتوقع قيام معسكرات إبادة، والتحريض على قتل الشعب.


إن تداخل مصدري العنصرية الإسرائيلية يخلق خليطا متفجرا وخطيرا للغاية. فهو خطير للفلسطينيين، لسكان إسرائيل، لدول المنطقة وليهود العالم. وبالمقابل فان الهوامش الاصولية ليست عاملا يعرض للخطر المنظومة السلطوية بل طليعة تشكل لها بوصلة وبل وحي. فجملة القوانين المناهضة للديمقراطية ضد السكان العرب، منظمات حقوق الانسان وحتى الليبراليين الخجولين لا تشكل "فاشية"، مثلما إدعى بقلق اليسار الصهيوني، بل ظاهرة مميزة وأكثر خطورة. فالنظام العنصري اليهودي في إسرائيل يصبح نظام يودو-نازي. فالاساطير الأولية لقدسية الأرض، قدسية الدم اليهودي، التفوق العرقي القائم على اساس "انت اخترتنا" وعشرات الاف مؤيدي بناء المقدس (الهيكل) وهدم مساجد "جبل البيت" (الحرم) تخلق دوائر لا تنفك تتسع في المجتمع الذي يجتاز مسيرة سريعة من التحول الى النازية.


يجدر بالذكر أن العنصرية الإسرائيلية تجد تعبيرها أيضا في قوانين الطواريء المناهضة للديمقراطية. فالنظام الإسرائيلي هو النظام الوحيد في العالم المعرف كنظام ديمقراطي مزعوم، يقوم منذ 70 سنة (نحو ثلاثة أجيال!)، على حالة الطواريء. وحالة الطواريء هذه التي تسمح للنظام بأن يكسر، يلغي او يجمد كل قانون بشكل قانوني ظاهرا، هو المثال الوحيد في العالم اليوم على الرؤيا القانونية لكارل شميدت الذي كان لزمن ما المنظر "الدستوري" للحزب النازي. هذه القوانين تستند إلى أنظمة الطواريء للعام 1945، والتي ورثتها إسرائيل عن الحكم الكولونيالي البريطاني، والتي تتناسب تماما مع النظام الصهيوني.


للربط بين جوهر المباديء الصهيونية والمباديء النازية لم يكن فقط مشهرون بل وكان عاطفون. فالمقارنة المجزية والصادقة للغاية بين الصهيونية والفكر النازي حول موضوع طهارة العرق، يمكن أن نجدها في كتاب الحاخام يوكيم برينتس من قادة الصهيونية في ألمانيا، والذي أصدر في العام 1934 كتابا بعنوان "نحن اليهود" وأعرب فيه عن رضاه عن "الثورة الالمانية" التي صفت الليبرالية، وهكذا، على حد قوله، فان "الشكل الوحيد للحياة السياسية التي ساعدت على تمثل اليهود غرق وإختفى". د. برينتس يرى في القوانين العنصرية النازية "تجسيد تطلعنا (!)" ويواصل: "نحن معنيون بان يحتل مكان التمثل قانون جديد: إعلان إنتماء الى الشعب اليهودي والى العرق اليهودي. دولة تبنى على أساس طهارة الأمة والعرق يمكنها أن تكون محترمة فقط من اليهودي الذي يعلن عن إنتماه لابناء جنسه". هو، بالفعل الأب الروحي الرائع لرجال منظمة "لاهافا". ولم يمنع التملق الفظ لهتلر اليودو-نازي إياه من أن يصبح بعد بضع سنوات من ذلك مواطنا أمريكا ونائب رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، وكذا الصديق القريب لغولدا مائير، التي كانت رئيسة وزراء إسرائيل.

يخشى سياسيو اليسار الإسرائيلي ورفاقهم من أن يؤدي "قانون التسوية" العنصري الذي يسوغ سلب الأراضي علنا إلى رد فعل دولي خطير بل والى إعادة تبني القول ان الصهيونية عنصرية. أما اليسار الراديكالي، بالمقابل، فيتوقع أن تعاقب الأمم المتحدة إسرئيل وتعيد تبني التعريف الصحيح لدولة الوباء اليهودية. ولكن لا تخافوا، فالتجربة السابقة تثبت بأن الحلفاء الحقيقيين للمؤسسة آنفة الذكر، القوى العظمى الإمبريالية، ترى في إسرائيل بالضبط ما أعلنه هرتسل وما تعرفه دول الشرق الاوسط وإفريقيا. إسرائيل تشكل الذراع الحديدي للعالم الغربي، قلعة تعيش بتكليف منه لغرض السيطرة في الشرق العربي لمنع توحيده وتعزيز إستعباده. لا يوجد حاليا أي بديل لإسرائيل في المنظومة الإمبريالية، بسبب الاستقرار الاجتماعي فيها، والذي يسمح بوجود جيش ضخم ذي إمتيازات. والتحول الديني للمجتمع الإسرائيلي – اليهودي والذي يرمي الى تعظيم استقراره، هو بالذات الذي يضمن لإسرائيل أن تبقى تخدم المصالح الغربية في مواجهة شعوب المنطقة. إن الكفاح الوحيد الذي يمكنه أن يؤدي الى تغيير جوهر إسرائيل هو كفاح في داخلها لجعل دولة اليهود دولة علمانية ديمقراطية حين ينهض مضطهدو الدولة العنصرية اليهودية في نهاية المطاف للانضمام إلى هذا الكفاح.


הבמה הדמוקרטית

المنبر الديمقراطي

اللجنة من أجل دولة علمانية ديمقراطية في كل أرض فلسطين

הוועד למען מדינה חילונית דמוקרטית בכל פלסטין

bottom of page