top of page

لماذا ينبش نتنياهو قبر المفتي؟

تلقت العاصفة التي أثارها نتنياهو بالقائه الحيلة الكاذبة في وجه مندوبي المؤتمر الصهيوني ردود فعل تجاوزت حدود دولة اليهود، ردود فعل تراوحت بين وصف بيبي كمن فقد الصلة بالواقع، وبين الشعور بالاهانة من وقاحة الرجل الفظة. وفي جملة ردود الفعل الملونة كان يصعب ايجاد رد فعل يوضح ما هو المنطق في الجنون الذي يقبع خلف قرار بيبي اختلاق تاريخ يربط الفلسطينيين بالنازيين. حتى قبل بضعة اشهر، في فترة الصراع ضد الاتفاق النووي كان دور النازيين محفوظ لايران. وقبل بضعة اسابيع، عندما جرت في السوق الاوروبية المشتركة مداولات عن الحاجة لوسم منتجات المستوطنات كان لبيبي رد فعل مشابه: فقد أعلن بان اوروبا نسيت بسرعة الفترة التي وسم فيها البشر كغير بشر وشبه بين وسم دهون اليدين ووسم البشر. ولم تكن هذه مجرد دعاية استفزازية بل دليل آخر على حقيقة أن نتنياهو يصف بلا انقطاع كيف يتآمر أعداء اسرائيل عليها لابادتها وايقاع كارثة اخرى عليها. وهو يروي لنا في واقع الامر بان القوة العظمى الاقليمية الاولى في سموها، توشك على أن تتكبد هزيمة على أيدي فتيان واطفال انطلقوا للتضحية بأنفسهم بالحجارة والسكاكين في مواجهة منظومة عسكرية هائلة.

لقد نشأت موجة التضحية لدى الشبيبة الفلسطينية بعد ان سمح نتنياهو على مدى فترة طويلة للاستفزازيين اليهود المسيحانيين بخرق الوضع الراهن في الحرم، واتهم الفلسطينيين، بمن فيهم السلطة التي تشكل سترة وقائية لاسرائيل، بالتحريض وباثارة الانتفاضة الحالية، وذلك بينما تتوزع كراهية الفتيان الفلسطينيين الذين يخرجون بعمليات التضحية بين اسرائيل وخادمها ابو مازن. وفي هذه الفترة تعاظم ايضا القمع ضد الفلسطينيين، سواء في مناطق 67 ام في الحدود الرسمية لدولة اليهود. ويبدو أن تعاظم الميول المسيحانية لدى نتنياهو وحكومته يدفع البلاد باسرها نحو حملات القتل، الارهاب والثأر. ومرة اخرى تدخل القيادة اليهودية لدولة اليهود وسكانها في جنون الشعار الصهيوني "في كل جيل وجيل يقفون لنا لابادتنا"، لقد شكل هذا الشعار الكاذب دوما مبررا لكل جرائم الصهيونية.

ولا يعد تجنيد المفتي الحاج أمين الحسيني لسيناريو نتنياهو، وتنصيبه في مسرحية العبث كمبادر لابادة يهود اوروبا، محاولة لزرع الكراهية في اوساط رعيته فقط، بل ومناورة تستهدف إثارة الخوف في أوساط الجماهير من خلفاء المفتي الوهميين، كأبو مازن مثلا. لقد شرح جوبلس، وزير الدعاية النازية ذات مرة بان القاء الرعب في قلوب الالمان بزعم أن المانيا تتعرض لهجوم مهدد من اليهودية العالمية، أدى الى توحيد الامة الالمانية ضد اليهود. واضافة الى ذلك، فان تخويف السكان الالمان من "مؤامرات اليهود الدنسة" كان أحد السبل التي استخدمها النازيون لنزع الشرعية ونزع الانسانية عن اليهود في المانيا. وقد نجح هذا على نحو ممتاز. ويتخذ نتنياهو نهجا مشابها عندما يتعرض ضحايا الارهاب والقمع المتزايد كطاغية وحشي، يسعى الى ابادة اليهود. وتنكشف هنا المنهاجية المتناقضة لدى نتنياهو، الذي يسقط على الطرف الآخر مزاياه كي يبرر اعماله تجاه الفلسطينيين وكأنها "دفاع عن النفس". فتعظيم أهمية المفتي، الذي كان زعيما عينه البريطانيون وتلقى الرشوة من الوكالة اليهودية وساعد في مواقفه المزايدة الصهيونية فقط، مثله مثل كل حقائق نتنياهو، كذب على الحقيقة والتاريخ لاخفاء خططه السياسية.

ان المستوى الجديد من الاكاذيب الخيالية لنتنياهو تبشر بان خططه المستقبلية بلغت مرحلة جديدة تتطلب اعدادا نشطا للرأي العام لها، اعدادا لا يمكن للواقع أن يوفر لها المعاذير. فعند تحليل خططه السياسية يتضح أن ليس لديه أي نية للتخلي عن السيطرة الاسرائيلية في كل الارض التي تقع غربي نهر الاردن، او السماح للفلسطينيين بان يكونوا أصحاب أي حقوق كانت في دولة الابرتهايد الكاملة. ان نية نتنياهو هي محاولة ابعاد الفلسطينيين بكل سبيل ممكن عن دولة العنصرية اليهودية الموسعة واختفائهم عن وجه الارض. يبدو أنه يقدر بان كل الاحزاب الصهيونية ستؤيد افعاله مثلما أيدت حربه العابثة والفاشلة على الاتفاق النووي مع ايران، مثل اتهام السلطة الفلسطينية بالتحريض والدعم للارهاب المناهض لاسرائيل.

ان القوى التي تحت تصرف نتنياهو لتنفيذ خطط ازالة الفلسطينيين وتجنيد شعب اسرائيل للمهامة، هي أولا وقبل كل شيء الغياب التام للمعارضة، البرلمانية وخارج البرلمان التي تتحدى زعامته. فلا يوجد في المنظومة الصهيونية باسرها شخصية سياسية يمكنها ان تأخذ من يديه قيادة دولة اسرائيل الغارقة. يجدر بالذكر ان استطلاعات الرأي العميقة المختلفة تشير الى أن نتنياهو نجح في أن يستقر كزعيم لاكثر من 55 في المئة من السكان. وتحت تصرفه توجد، بالطبع، السرايا الهجومية للمستوطنين، والتي تقاسمت حكومات اسرائيل معها قوة القمع للدولة، والتي يسرها ان تحقق مثل هذه الخطة. لقد تغير الجيش الاسرائيلي تماما في الـ 25 سنة الاخيرة وشريحة الضباط المركزية فيه تشكل قوة دينية قومية بل واصولية قومية متطرفة. قسم كبير من هذه الشريحة تتطلع الى الحاخامين من النوع اليهودي النازي، الذي يرى بالفلسطينيين العملاق الاسطوري. نضيف الى ذلك الصحافة المدجنة التي تعمل في معظمها كوكيل فرعي للناطق بلسان الجيش الاسرائيلي وختاما نذكر مرة اخرى بان في الصهيونية الدينية يوجد تيار متعاظم يحلم بــ "معسكرات الابادة للعملاق"، والتي بلغ عنها يئير أتينغر في صحيفة "هآرتس" في 21/1/2011.

ويقتبس أتينغر في مقاله مقالا افتتاحيا لنشرة شعبية بإسم "ينابيع الخلاص" التي توزع مجانا في الكنس وتصدرها جمعية تحمل ذات الاسم وقادتها هم الحاخام شموئيل الياهو من صفد، الحاخام شلومو أفينر من بيت ايل والحاخام يعقوب ارئيل من رمات غان. وتهاجم النشرة هجوما ناريا الحاخامين الذين يختلفون مع زعماء الجمعية ولا سيما حاخامو "تساهر"، الذين تسميهم حاخامي المهنة. ويدعي المقال غير المذيل بتوقيع بأن "حاخامي المهنة هم مجرد لاعبون ثانويون في أوساط الحاخامين في اسرائيل ومشكوك أن يكونوا يشاركون في تاريخ صراعاتنا الثقافية... مشوق أن نعرف اذا كان تركيز العمالقة في معسكرات إبادة سيتركونه للاخرين أم لعلهم يحسمون بان حياة العملاق لم تعد هامة. الايام ستقول". ولا بد أن أيا من المستشارين القانونيين أو غيرهم، بما في ذلك الرجل الذي يصرخ على التحريض الفلسطيني لم يتهم واضعي وثيقة مخططي معسكرات الابادة، بالتحريض على قتل الشعب وذلك بعد سلب وطنه.

ان هذا الوضع الكارثي هو نتيجة فشل الحركة الصهيونية التي حاولت خلق أمة حديثة على أساس اسطورة إلحادية. وقد أدى عدم فصل الدين عن الدوة الى خلق كاريكاتور أمة على أساس ديني. والفكرة البسيطة في أن قومية المواطن الاسرائيلي يمكنها ببساطة أن تكون اسرائيلية لم تطرأ على البال أبدا لان الصهيونية تعنى بفصل اليهود عن الآخرين وليس بربطهم. ولكن اذا كان سكان أرض الابرتهايد في فلسطين يحبون الحياة فان عليهم أن يرفضوا رفضا فكرة أن تكون الدولة اليهودية هي مؤسسة يمكنها أن تضم جماعة من البشر تعيش بشكل ديمقراطي. وتشبه هذه القدرة قدرة الدولة الاسلامية أو الدولة الكاثوليكية على عمل ذلك. وعليه فلا يمكن فصل الدين اليهودي عن الدولة اليهودية دون الغاء الاخيرة. ويشكل الوضع الحالي تذكيرا حادا بالحاجة التاريخية العاجلة لاقامة دولة علمانية ديمقراطية، من خلال انعقاد جمعية تأسيسية لكل سكان فلسطين التاريخية، جمعية تصدر دستورا متساويا للبلاد المنقسمة، وتقيم دولة يكون فيها الدين أو غيابه الشأن الخاص لكل مواطن، وتتشكل القومية من عموم المواطنين.

ايلي امينوف

הבמה הדמוקרטית

المنبر الديمقراطي

اللجنة من أجل دولة علمانية ديمقراطية في كل أرض فلسطين

הוועד למען מדינה חילונית דמוקרטית בכל פלסטין

bottom of page